خطار المجاهدي يحلل خطاب العرش 2025 والرؤية الملكية في تحديد أولويات الدولة
بقلم / خطار المجاهدي
كما العادة تشكل خطب صاحب الجلالة لحظة سياسية دقيقة ترسم مسارات استراتيجية لمستقبل بلادنا في مختلف المجالات بسبب عمق ودقة التوجهات التي تحملها لذلك لا غرابة من حجم التفاعل الإيجابي مع مضمون خطاب العرش الأخير.
وقد إخترنا أن نستهل جولتنا الصحفية لهذا اليوم بقراءة تحليلية لمضامين خطاب العرش 2025 وللرؤية الملكية في تحديد أولويات الدولة كتبها خطار المجاهدي مدير مؤسسة التعاون الوطني الذي يشتهر بدقته الأكاديمية وتحليله الجاد.
وقد تناول المجاهدي في قراءته التحليلية دلالات الخطاب الرمزية والسياسية وتوقف عند الإشارات القوية التي حملها خطاب العرش لهذا العام،
وهذا ما كتبه إبن الصحراء خطار المجاهدي:
جاءت مؤشرات التنمية التي أعلن عنها صاحب الجلالة مساء أمس لتؤكد قدرة المغرب على لعب دور محوري في النهوض بالمنطقة المغاربية والقارة الإفريقية عموما.
لقد حقق المغرب تقدما ملحوظا في خفض معدلات الفقر، وارتقى إلى مصاف الدول ذات التنمية البشرية العالية، وحقق قفزات نوعية في مجالات الطاقة النظيفة، الصناعة، البنية التحتية، السياحة…
ومع افتتاح ميناء الداخلة الأطلسي واحتضان المملكة لمنافسات كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، يقدم المغرب نفسه اليوم كنموذج لدولة صاعدة، قادرة على قيادة التحول في شمال إفريقيا ولعب دور القاطرة في بناء إفريقيا المستقبل.
تشكل هذه المعطيات الواقعية والإنجازات الملموسة فرصة تاريخية ليست فقط للمغرب، بل للمنطقة برمتها في ظل الحاجة الماسة إلى تعزيز الثقة والتعاون بين دول المغرب العربي.
فاليد ممدودة دائما للجزائر من أجل تحقيق هذا المستقبل المشترك الذي يصب في مصلحة شعوب المنطقة جميعها.
ولا يمكن فهم هذه الرؤية التنموية المنفتحة بمعزل عن الطابع المتجذر في خطاب صاحب الجلالة، الذي مافتئ منذ توليه العرش يدعو إلى الحوار والمصالحة مع الجزائر، مبادرا إلى فتح قنوات التواصل وتجاوز الأزمات العميقة التي تلازم العلاقات بين البلدين. منذ خطاب السادس من نونبر 2018، حيث اقترح صاحب الجلالة آلية سياسية مشتركة للحوار المباشر والصريح، وحتى خطابات عيد العرش التي حملت في طياتها رسائل الأخوة والدعوة إلى فتح الحدود وإعادة بعث اتحاد المغرب العربي، ظل الخطاب الملكي متسما بالهدوء والحكمة، مع تأكيده على ضرورة احترام الشرعية الدولية وتعزيز المصالح المشتركة.
إن هذه الدعوات المتكررة التي تحمل في جوهرها روح الانفتاح والحوار ليست مجرد نداءات عاطفية، بل تعبر عن استراتيجية واعية تسعى إلى بناء مشروع مغاربي متكامل قادر على مواجهة تحديات العصر، بما فيها الأمن المشترك، والتحديات الاقتصادية، والهجرة، وندرة الموارد مثل الماء، وكذلك السيادة الغذائية والتكنولوجية. ومن هذا المنطلق، تتضح حكمة صاحب الجلالة في اعتبار الوحدة ليست شعارا رومانسيا، بل ضرورة حتمية في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة.
وفي هذا السياق، لا بد من استلهام تجارب دولية ناجحة استطاعت تحويل الصراعات التاريخية إلى مشاريع تعاون وتكامل ناجحة. فالنموذج الأوروبي، رغم ماضيه المليء بالحروب الدامية، شكل عبر إرادة سياسية قوية ونضج اقتصادي، اتحادا فريدا سمح للدول الأوروبية بالتحول إلى كتلة متماسكة اقتصاديا وسياسيا. ولا شك أن ألمانيا تمثل المثال الأبرز في هذا الإطار، إذ استطاعت أن تتحول من خصم في النزاعات العالمية إلى قاطرة الاقتصاد الأوروبي، معتمدة على قوتها الصناعية وتقنياتها المتقدمة، دون اللجوء إلى الهيمنة العسكرية أو الإكراه السياسي.
يمكن للمغرب أن يستفيد من هذه الدروس في بناء مشروعه التنموي والمغاربي، بحيث يضع مصلحة المواطن في قلب الاستراتيجيات، ويعزز الروابط مع جيرانه على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بدلا من الجمود السياسي والخصومات الطويلة الأمد التي أضرت بالجميع.
وبينما تتعثر جهود المصالحة الرسمية من الجانب الجزائري، يبقى المغرب متمسكا بالنهج البناء، ممدود اليد دوما، مؤمنا بأن المستقبل المشترك هو السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار في شمال إفريقيا. إن نجاح المغرب في تحقيق قفزات تنموية وافتتاح مشاريع كبرى، هو دليل عملي على جدوى رؤية صاحب الجلالة، التي تجمع بين الثبات على الحقوق، والانفتاح على الحوار، والعمل الميداني الحقيقي.
في الختام، يمكن القول إن المغرب اليوم هو الدولة الصاعدة التي تحتاجها إفريقيا والمغرب العربي، ليست فقط بقوة إنجازاتها، بل برؤية صاحب الجلالة الحكيمة ومبادراته الداعية إلى الوحدة والتعاون.
وإذا تم استثمار هذه الفرصة التاريخية عبر شراكات حقيقية وإرادات متضافرة، فإن شمال إفريقيا وإفريقيا عامة ستشهدان تحولا شاملا نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا ..