هناك توافق غير مسبوق حول مستقبل الصحراء.. هل تستطيع واشنطن تحويله إلى حل؟
بقلم/ أمين غوليدي
عندما وقف ديفيد لامي وزير الخارجية البريطاني الجديد في الرباط في يونيو الماضي وأيد خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء رسخ موقفا غير مسبوق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
فبعد نصف قرن تضغط الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة نحو تحقيق نفس الهدف السياسي.
حذر لامي من أن عام 2025 يمثل “فرصة قيمة وحث مجلس الأمن الدولي على التحرك قبل حلول الذكرى الخمسين لنزاع الصحراء في نوفمبر المقبل.
يعد هذا التوافق في مجلس الأمن استثنائيا وإن كان حساسا وتتوقف العملية الآن على مدى سرعة ترجمة هذا التوافق إلى إطار عمل للأمم المتحدة هذا الصيف قبل أن تختبر متانته من قِبَل تحولات سياسية في مدريد أو باريس أو مناورات جزائرية متصاعدة.
بدأت عملية إعادة تنظيم الأمور في عام 2022 عندما وصفت إسبانيا المستعمر السابق للصحراء والدولة الأوروبية الأكثر تعرضا لتداعيات الصحراء اقتراح الحكم الذاتي المغربي بأنه “المسار الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” للمضي قدما.
فرنسا التي لطالما كانت الصوت المتأرجح في أوروبا حذت حذوها في عام 2024 فأقرت رسميا الخطة نفسها بعد سنوات من التحوط بين الرباط والجزائر وقد أزاحت هذه المحاور اثنتين من أكثر الدول الغربية نفوذا في دعم الوضع الراهن القديم وأشارت إلى تفضيلها الآن للحكم الذاتي.
ثم جاءت بريطانيا حيث توصلت حكومتها ذات التوجه اليساري إلى النتيجة نفسها معلنة في يونيو أن لندن ستدعم أيضا عرض الرباط وبالتالي تتفق ثلاث عواصم أوروبية كبرى على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل العملي الوحيد.
على خط المواجهة اتخذت موريتانيا الجارة الجنوبية للمغرب على طول الحدود الصحراوية موقفا حاسمًا.
فقد عززت نواكشوط خطوط دورياتها الشمالية وخنقت الممرات الصحراوية التي كانت تستخدم سابقا لغارات قوات جبهة البوليساريو مما أدى إلى محاصرة وحداتها على الحدود الجزائرية.
وفي مختلف أنحاء العالم العربي تشكل النصاب القانوني أيضا يدعم مجلس التعاون الخليجي ومعظم عواصم جامعة الدول العربية الأخرى الآن مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء.
الجزائر فقط هي التي تعترض مؤكدة دورها كدولة راعية رئيسية لجبهة البوليساريو.
تبرز ردود فعل القوى العظمى مدى اختلال التوازن الجديد تواصل الصين ممارسة الحياد ولا تزال روسيا المورد الرئيسي للأسلحة للجزائر إلا أن تصدعات في هذا المحور ظهرت بعد فشل محاولة الجزائر الانضمام إلى مجموعة البريكس بينما تستنزف موارد موسكو في أوكرانيا وتتفاقم الخلافات حول استراتيجية الساحل لا يسارع أي راعٍ خارجي لإنقاذ جبهة البوليساريو من انهيارها الدبلوماسي وتكتسب الحملة في واشنطن للنظر في إدراج الجبهة كمنظمة إرهابية زخما.
حتى مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا الذي طرح ذات يوم فكرة ” التقسيم ” كحل محتمل يحث الآن مجلس الأمن على توضيح خطة الحكم الذاتي المغربية وهو اعتراف ضمني بأن الاستفتاء على الاستقلال غير واقعي.
لقد بدأت الولايات المتحدة هذه العملية عندما اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة المغربية في ديسمبر 2020 كجزء من عملية اتفاقات ابراهام إلا أن الاعتراف وحده لا يكفي لإنهاء الصراع.
ومع اقتراب الذكرى الخمسين للصراع قد تطغى السياسة الاحتفالية على الدبلوماسية العملية.
يرى بعض المحللين أن أي خطة تسوية للصحراء ينبغي أن تدمج في إطار دولي يتماشى تماما مع موقف واشنطن.
ويبدو أن الغاية الاستراتيجية النهائية التي أعلنها ديفيد لامي هي قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقنن مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء وفي الوقت نفسه فإن السماح بانقضاء ولاية بعثة المينورسو رغم التحفظات المحتملة من الرباط من شأنه أن يشير إلى انتهاء الوضع الراهن ويضيق نطاق عرقلة الجزائر أمام مشاركة أمريكية أوسع في مجال الطاقة أو الأمن.
وبناء على هذا الترتيب فإن التقدم في قضية الصحراء قد يمضي قدما ومن الأفضل بالتعاون الجزائري على مساره الخاص ويعكس الرؤية الأميركية للحل ويكشف بشكل قاطع ما إذا كانت سياسات الجزائر المستمرة في التعامل مع القضية لا تزال غير كافية إن التلميحات إلى الابتعاد عن موسكو إما أن تكون حقيقية أو مجرد تكتيكية.
إذا قررت واشنطن قيادة المفاوضات فيمكنها أولا العمل مع الرباط لتحويل مخطط الحكم الذاتي الذي مضى عليه 20 عاما إلى قانون أساسي يفصل الصلاحيات المالية والضمانات الثقافية والضمانات الأمنية بمجرد اكتمال هذا النص يمكن للولايات المتحدة بمساعدة المملكة المتحدة وفرنسا طرح مشروع قرار يحدد الحكم الذاتي كأساس وحيد للتفاوض وتكليف مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا بعقد محادثات فنية ووضع جدول زمني محدد لاختتام المفاوضات.
ومن المؤكد أن موسكو ستستخدم حق النقض ومن المرجح أن تمتنع بكين عن التصويت ولكن هذه الممارسة سوف توضح المواقف وتؤمن نصا متفقا عليه للمستقبل.
على صعيد منفصل فإن السماح بانقضاء ولاية بعثة المينورسو القديمة عند دورة التجديد القادمة سيجبر كلا من الجزائر والمغرب على مواجهة وضع ما بعد الوضع الراهن فمجرد احتمال المواجهة سيرفع تكلفة فك الارتباط مما يوفر الإلحاح اللازم لدفع الدبلوماسية شريطة ترسيخ التوافق الحالي مع بقاء هذا الضغط تحت السيطرة.
من شبه المؤكد أن الفشل في ترسيخ التقارب الحالي سيحول هذا الضغط نفسه نحو تصعيد مفتوح فالمغرب بعد أن استوعب سنوات من الضغط السياسي والاقتصادي الجزائري بالإضافة إلى هجمات البوليساريو المتقطعة دون ردّ انتقامي كبير قد يستنفد قريبا مساحته السياسية ويلجأ إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد مواقع البوليساريو المتمركزة في عمق الصحراء على مقربة خطيرة من الأراضي الجزائرية.
أما الجزائر المجهزة أصلا بالتعبئة الداخلية المنهجية ضد المغرب فستحفز على توسيع نطاق الصراع إلى ما يتجاوز مجرد المناوشات بالوكالة ليشمل مناطق لا تستطيع المساعي الحميدة للأمم المتحدة احتواؤها ومن شأن اتساع نطاق الصراع هنا أن يُزعزع استقرار شمال أفريقيا ويعطل الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي ويعرض الطرق البحرية الحيوية للتجارة العالمية والوضع البحري الإقليمي للولايات المتحدة للخطر لذا فإن ترسيخ الإجماع الحالي أمر بالغ الأهمية.
لقد اتفقت واشنطن ولندن وباريس بالفعل على الحل السياسي الوحيد القابل للتطبيق في الصحراء.
يبقى خيار واحد: إما تحويل هذا التوافق النادر إلى زخم لا رجعة فيه أو العودة إلى المناورات التي سيواصل الخصوم الاستراتيجيون استغلالها.
ستكشف الخطوات التالية ما إذا كان هذا النزاع المستمر منذ نصف قرن سيدخل فصله الأخير أم سيستمر كدرسٍ جديدٍ فيما يحدث عندما يضيع التردد الدبلوماسي الفرصة.
* أمين غوليدي هو زميل زائر في معهد شيلبي كولوم ديفيس للأمن القومي والسياسة الخارجية التابع لمؤسسة التراث وهو يواصل حالياً دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في الجغرافيا السياسية والأمن في كلية الدراسات الأمنية في كلية كينجز كوليدج لندن.